بداية مقلقة

مع بداية كل عام أجد نفسي أفكر، ما الذي أريده أن يتغير في هذا العام، هل لي أهداف جديدة وماذا أريد أن أحقق. ليس الكثير عادة، قد أخطط  لسفرة أو عطلة وربما تغييرات طفيفة في نمط حياتي، ليس لدي أهداف كبيرة ولا طموحات وخاصة ليس الآن.

أرى الناس تسخر من نفسها عندما تأخذ قرارًا بممارسة الرياضة بانتظام أو وقف التدخين وكأننا نعلم مسبقًا أن ذلك لن يحصل ولكننا نحمله معنا من سنة إلى أخرى أو من عيد ميلاد إلى آخر. دائمًا كنت أحمل معي ذلك الهدف من مناسبة إلى أخرى ومن مرحلة إلى أخرى: أن ينتهي القلق. سيأتي يومٌ ينتهي فيه قلقي. اعتقدت دومًا أن الطريق إلى ذلك هو بالانتهاء من مشاكلي المادية أو مشاكل العمل أو أزماتي العاطفية والعائلية. أقلق من هذه الأمور اليومية، وأعرف أن معظمنا يعاني من القلق بدرجة أو بأخرى، فالحياة ليست سهلة ونواجه بشكل يومي ضغوطات العائلة والعمل والمشاكل مع من نحب والقلق استجابة طبيعية لكل ذلك. أكتشف بعد سنوات طويلة من التفكير بالموضوع وطريقة علاجه أن القلق الذي أحمله لن ينتهي وأنه لا يأتي من الحياة ومشاكلها. ليست فقط تلك الاستجابة الطبيعية التي تسمح لنا بإكمال الحياة والتعاطي مع أزماتها، القلق الذي يصبح بحد ذاته أزمتنا والدائرة المفرغة التي لا نستطيع الخروج منها.

تنصحني المقالات أونلاين بنمط حياة صحي لمعالجة قلقي وبالحصول على “كمية كافية من النوم”، كيف يمكن لي أن أفعل ذلك إن كان قلقي الداخلي سبب أرق متكرر؟ أرق الليل يتسبب لي بأيام متتالية من التعب بحيث لا أستطيع القيام بعملي فأدخل في دوامة جديدة من القلق على ما لم أستطع إكماله بسبب التعب. بعد أن أحظى بليلتين متتاليتين من النوم الجيد، أعمل لساعات طويلة متواصلة لأعوض ذلك، أعود للتعب وقلة النوم وأدخل في تلك الدائرة اللانهائية من القلق. تتكرر هذه الدورة بأشكال مختلفة ولأسباب قد تبدو تافهة للآخرين ولا تستحق “كل هذا القلق”. لحظة، أنا أيضًا أظن أنها لا تستحق “كل هذا القلق” وأحاول إقناع نفسي بذلك في ساعات الاستيقاظ الطويلة التي أحاول فيها إغلاق عيني وإبعاد كل تلك “الأفكار السخيفة” التي لا تستحق أن أبقى مستيقظة لأجلها بينما أنا بحاجة للنوم. ولكن القلق لا يعمل بشكل منطقي هذا ما تعلمته من كل تلك السنوات، تعلمت أيضًا أن القلق لن ينتهي بانتهاء المشاكل، هو هنا، موجودٌ في رأسي وسيجد لنفسه سببًا. لدي عمل جيد، عائلة لطيفة، أصدقاء وحبيب أتشارك معه الحياة؛ لا أسباب ظاهرة للقلق. ليس سهلًا ايجاد مبرر له لمن يرى حياتي من الخارج، حتى أنا ما زلت أحاول ايجاد مصدره. أحاول أحيانًا أن أخبر أشخاصًا قريبين مني عن معنى هذا القلق، عن معنى أن تكون مريضًا بالقلق، يبدو من الصعب جدًا أن يفهم أحدهم/ن عما أتكلم إن لم يكن عايشه مثلي. أحاول أن أشرح لهم/ن أن هذا ليس القلق اليومي الذي أستطيع “تخطيه بالتفكير بشيء آخر”، أحاول أن أقول أنني أعي أن لا أسباب “منطقية” لهذا القلق وأن هذا الوعي لن يكفي لإبعاد نوباته ولكن يبدو لكثرة استعمالنا لهذه الكلمة – كما كلمة “اكتئاب”- من الصعب جدًا التمييز بين القلق بمعناه اليومي كاستجابة طبيعية وبين القلق الذي يؤرق حياة من يعانون منه. أشعر عندما أخبر أحدهم عن قلقي أنه سيتفهم عندما أحاول شرح ما أمرّ به والتعبير عنه بكلمات وأتوقع أن ذلك سيساعد المقربين مني في فهم ردات فعلي وانفعالاتي ونوباتي التي لا أستطيع السيطرة عليها. أصاب بخيبة ما عندما لا يفهم الآخرون بعد أن أبذل جهدًا للتعبير عن هذا الشيء الثقيل الذي يسكن رأسي وحتى أنا أجد صعوبة في فهمه. يزداد قلقي، هنا سبب جديد للقلق. أشعر بالذنب لأنني أضع على اللآخرين مهمة تحمل أزماتي. ليسوا مضطرين، لديهم أزماتهم الشخصية أيضًا، أتراجع وأعتذر وأدخل في دوامة جديدة من القلق التي أتجنب الحديث عنها. أحاول أن أحمل مسؤولية قلقي وحدي، أن لا أدخل الآخرين في دواماتي اللامتناهية، غالبًا ما تنتهي محاولاتي بالفشل. سيدفعني قلقي في لحظات كثيرة للقيام بردات فعل غير مفهومة لهم وغير متناسبة مع “الفعل”. ماذا عن نوبات البكاء والانفعالات التي تبدو للآخرين في غير مكانها؟ ما الداعي للبكاء الآن؟ ” هذا الأمر لا يستحق ولماذا كل هذه الدراما؟” وهذه الدراما تحديدًا، هي التي لا يمكن التحكم بها كما يتوقع الآخرون. لا يمكن أن تعامل القلق بالمنطق، سأحتاج غالبًا إلى استيعاب من الآخر في تلك اللحظات وسيمرّ الأخر بأزماته الشخصية في التعاطي مع انفعالاتي وسأنتهي مع احساس بالندم لأنني لم أستطع السيطرة عليها، رغم أنني أعلم الآن بعد كل هذا الوقت أن السيطرة عليها غير ممكنة أصلًا.

الكتابة استجابة للقلق أيضًا، ربما. أفكر بينما أكتب هذا النص، أن ربما كتابة ما أمرّ به، هي الأخرى ردة فعل على ذلك القلق، هي أيضًا محاولة للفهم ولوعي ما أمرّ به عبر تحويله لكلمات بدل ابقائه مطرًا متساقطًا في رأسي. أشاهد أحيانًا قدرة الآخرين والأخريات على التعاطي ببساطة مع الأمور السخيفة التي تشغل رأسي وأتسآل كيف طوروا تلك الاستجابة. أشعر كأن من واجبي أن أكون اكثر ايجابية ومرحًا وسلاسة لكي أكون المثال الجيد عن الشخص الطبيعي. اللطافة لا تكفي وكذلك كل ذلك الاستعداد الدائم للمساعدة والقدرة على حل المشاكل.

تقول لي صديقتي أن ربما لدينا نزعية جينية أو متوارثة لنكون قلقات أو مكتئبات أو نميل للاستجابة السلببة للأمور، لربما كان ذلك صحيحًا، لا أعلم.

في السنة الجديدة، لربما لم أعد أريد لقلقي أن ينتهي، قد أقتنع أنه سيبقى هنا. أحاول فقط إيجاد طرق للاحتيال عليه والالتفاف حوله. طرق لتخفيفه قليلًا. يخف قلقي أحيانًا، طبعًا. أحب تلك الأيام عندما تكون نهاراتي مليئة بالضحكات والحميمية وليالي بالنوم الدافئ ولكن حادثًا ما، أي شيء تافه سيستعيد قلقي من الخلفية حيث كان ينتظر متأهبًا ليعود إلى دوامتي. أشعر أحيانًا أنني أحتاج فقط إلى فترة راحة من القلق، لا أريده أن يذهب بالمطلق، فليعطني فقط شهرًا أو أسابيع من الراحة لعلي أختبر ماذا يعني ذلك الشعور. كنت أعتقد دائمًا أن سنينًا لاحقة من عمري ستأتي وسأعيشها دون قلق، لربما لن يحصل ذلك، لربما أخفف من طموحاتي قليلًا؛ أكتفي ببضع ساعات من النوم عندما أحتاجها، قليل من الحب ومساحة من الطمأنينة.

أترك تعليق