يوميات بيروتية

(1)

أستيقظ عند السادسة، أسمع صوت المطر في الخارج كأنه لم يتوقف طوال الست ساعات التي كنت فيها نائمة. أسحب نفسي من الفراش الدافئ لأتأكد أن هذه “كهربا الدولة”، ثم أرفع “ديجونكتر” سخان المياه، قبل أن أعود سريعًا تحت اللحاف بانتظار أن تسخن المياه كي أستحم وأذهب إلى المكتب. أتقلب في الفراش علني أكسب ساعة نوم أخرى في هذا الوقت، تتداخل أصوات الرعد مع أصوات السيارات في الشارع والمياه المتساقطة، ثم أفكر في اللعبة التي أدمنها على الهاتف: “ربما ألعب قليلًا ما دمت غير قادرة على النوم”. يمر الوقت، أنهض في الثامنة لأكتشف أن المياه مقطوعة، ألعن هذه الدولة، وأرتدي ثيابي كي أنزل بسرعة بينما المطر ما زال يتساقط غزيرًا في الخارج.

(2)

في الصباح كنت مستعجلة، لم يكن هناك وقت وكان يجب أن أصل إلى التدريب عند التاسعة، طلبت سيارة عبر ابليكايشين أوبر. أحسستها رفاهية، ولكنني اعتبرتها ضرورية.
في السيارة المرتبة، جلست في الخلف واستغليت تلك الدقائق الثلاثون في الطريق لأكتب نقاطًا من اجتماع
البارحة، شعرت أنني كسبت وقتًا لأنجز شيئًا في المقابل.
دفعت أحد عشر ألفًا ووصلت متأخرة خمس دقائق فقط.
انتهى التدريب باكرًا، أبكر من المتوقع، مشيت من آخر شارع الحمرا إلى أوله، يكون المشي لطيفًا عندما لا تكون مستعجلًا للوصول. هناك استقليت فان رقم 4، أجلس في أي مكان متوفر، يجلس قربي شاب يوبخ امرأة عبر الهاتف لأنها ارتدت ثيابًا ملفتة للرجال الآخرين، امتعض وأبقى ساكتة. تبدو الطريق قصيرة أتمنى لو أنها تطول لولا وجود هذا الشاب المزعج بجانبي. أنزل عند مفرق الشارع الذى أسكنه وعلي أن أمشي لسبع دقائق أخرى. دفعت ألف ليرة فقط، مشيت قبلها وبعدها، ولكن الرحلة بدت أجمل

(3)

في بيروت الليلة، مئات المنتفضين أو أقل يعتصمون أمام مصرف، في نفس الشارع إلى الأمام قليلًا أناس في الأسواق يلتقطون الصور ويتنقلون بين المحلات، عند التقاطع باتجاه البحر أناس يعطون مفاتيح سياراتهم لشاب “الفاليه باركينغ” ويدخلون مطاعم ومقاهي حيث أغلبنا لا يملك ثمن العشاء فيها، مئات العساكر من الجيش ومكافحة الشغب يقفون لحماية حائط المصرف، لا أموال في الداخل، يحمون مكانته ووجوده، يدافعون عن سلطته على الناس. في بيروت لا يمكن أن تعرف إن كانت الحياة ستكمل أبشع أم أجمل، فقط انتظار…

(4)

أفكر، بينما أقود سيارتي بسرعة قد تكلفني ظبطًا على طريق مفتوح وطويل ومحاط بالأراضي شبه الفارغة، أفكر أن هذه البلاد جميلة.
يقولها عقلي وفي نفس اللحظة يعتصر قلبي ألم من قرفها وبشاعتها ويوبخني ويسألني من أين أتيت بفكرة جمالها. ماذا تبقى مما كان يقال عنه جميل فيها؟
أحاول أن أتذكر من أعلن بيروت عاصمة عالمية للثقافة منذ سنوات، وأفكر أنه كان الأجدر به تعميدها عاصمة عالمية للبشاعة، بأبنيتها القبيحة تزين واجهتها ومومياءات زواريبها التي تحيا على الظلم والقهر. بيروت، قبيحة، لم يبق فيها شيء جميل إلا كتابات على حيطان ثورتها.

(كتبت هذه النصوص الصغيرة في أوقات متفرقة خلال الشهور التي تلت 17 تشرين الأول 2019)

أترك تعليق