يوميات القلق

(1)

أن تستيقظ دامعًا ذلك يوم عادي، مثله كمثل أن تنام باكيًا
انه الملل، الحزن الممل يرافق أيامك.
أن تستيقظ لتشرب قهوتك مع قطعة حلوى ثم تتجه إلى الايميل لتنجز ما يجب انجازه يعني أن تحافظ على نفسك مستندًا إلى ذلك الروتين المتكرر خوفًا من الانهيار ليس بالظبط اكتئابًا ولكنه أيضًا بؤس ممل.
أن ترسل رسالة نصية للاطمئنان على شخص هنا أو هناك كأنك تحاول أن تقول أنا ما زلت حيًا، وأتنفس، لم أصل إلى الاحباط بعد ولكنه تنفس ممل، لا تتخلله شهقة دهشة واحدة ولا تلعثم استمتاع.
أن تدخل إلى المطبخ، لتحضّر عشاء يعيد إليك متعة ما،
وتتذوق طعامك لتتذكر بعدها أن عليك أن تجلي وتنظف انجازك العظيم، تعب ممل.
تبحث عن فيلم ينسيك الملل، ولأن تلك دورة حياتك الآن، تقع على فيلم حزين لدرجة البكاء، تنام باكيًا لتستيقظ في اليوم التالي على تعاسة متكررة.

(2)

يقول صديقي: كتاباتك جميلة ولكن لا تكتبي أشياء كئيبة. أبتسم، ألملم التفاؤل من زاوية ابتسامتي، في رأسي نص عن الفقدان أتجاهله. أنظر إلى حياتي من المقلب الآخر، لا يبدو الوضع سيئًا، تبدو حياتي لطيفة ويبدو تسلسل الأيام جميلًا. لست حزينة ولا أقف على حافة الانهيار، أكتب نصًا فقط، لربما يشبهني ولكن لا تبدو أي من مشاعري متجذرة. كلها طافية على السطح أسبح من احداها إلى الأخرى ببساطة، أنتقل بسلاسة من صباح موحش إلى بعد ظهر خفيف ومساء ممتع.جمال بسيط لهذا الصباح: صوت المطر المتساقط مع تراتيل فيروز في الخلفية، كتاب في سرير الصباح وقهوة.

(3)

في الليل الطويل، قادرة أنا على عد أنفاسي، أسمع صوت حركة رأسي على المخدة.
يزورني الأرق مجددًا، زائري المعتاد. أكاد أقول انني بدأت أرتاح لوجوده ثم أتذكر أنه “يقلقني”، أغمض عيني وأحاول أن أخدعه بالنعاس، ولكنه يعرف كيف يبقي عقلي مستيقظًا رغم كل المحاولات، أضيء له شمعة في رأسي وأصب عليه لعناتي في النفس الوقت. أكاد أحتضنه قبل أن ينهشني التعب، لا أنا قادرة على النوم ولا الصبح يبدو قابلًا للمجيء، أنتظر، استسلم بعد ساعات وأنهض لألتهم قطعة كبيرة من الكاتو وأشرب القهوة.

(4)

أستيقظ في الخامسة، أتقلب قليلا في الفراش، أفكر في اللوم السخيف الذي وجهته إلي وفي قسوتك، أحمل الهاتف لأرسل لك رسالة، ثم أتذكر أن لا جدوى وأنني حتى لو أرسلتها لن أستطيع النوم مجددًا. ما زلت أتثاءب وأشعر برغبة كبيرة بالعودة إلى النوم ولكن أيضًا لا جدوى من المحاولة.
أنهض لأحضر كتابًا ما ولكن كالعادة يكون ذهني مشتتًا عندما أكون نعسة. أفكر أنك لا تستأهل كل هذا الحب، أغلق الكتاب وأعود للنوم.

(5)

أتقوقع على الكنبة، لا لأنني بحاجة للنوم هكذا، بل لأن القط جاء ينام في منتصفها ولم يترك لي مجالًا أكثر. يؤلمني رأسي من النوم والاستيقاظ المتكررين، أحضّر القهوة وأوقع نصفها على الطاولة، وربعها على الهاتف ويتبقى لي القليل لأشربه بينما أتأمل بعض القطرات التي تطايرت منها على أطراف كتابي. أصبح كتابًا برائحة القهوة، لا بأس بذلك.
ترقد سمكة بين صفحاته، لا بد أن تكون الرائحة قد أيقظتها هي أيضًا.
يبدو كل شيء بلا معنى، أفكر في سندويش الشاورما الذي سأنجو من هذا الوباء لأجله.

(6)

أخطئ في المحاولة الأولى، رغم ذاكرتي القوية، لفتح البوابة بكود الدخول. أخرج من باب المصعد وأشعر بالغرابة لوهلة، اعتدت مدخل بيتك الصغير حتى بدت المسافة بين باب المصعد وباب بيتي طويلة. أتآلف مع كنبتي من جديد وأنسى كيف أسخن طعامًا لليلة باردة.
أستسلم بسرعة للأرق. لن أحاول هذه المرة خداعه بالنعاس. أستغرب أنني أنام مطمئنة قربك، ولا يغادرني النوم إلا عندما أكون في سريري. ألست أنت سبب قلقي؟
أتعرف معنى أن تشتاق لشخص ما؟ على الأرجح تعرف. أن تبحث عنه في وجوه العابرين القلائل؟ أن تحزن لأن يومًا آخر مرّ دون أن تراه؟ ربما تعرف. ولكن أتعرف معنى أن تشتاق لشخص وأنت تعيش يومياتك معه؟

(7)

أراقب الشارع من الواجهة الزجاجية الكبيرة، أبحث عن أثر للفراشات. أتذكر أن ربما لم تمر فراشة ملونة من هنا منذ زمن بعيد، ربما هربت منذ نبت مصرفٌ. أكتفي بمشاهدة عصفور يحلق ليحط على إحدى الشجرات القليلة المتبقية.
بقي هاتفي مطفئًا يومًا كاملًا ولم يتغير شيء: ما زال الكوكب منهارًا.
أشتاق للبلاد الأخرى، وللسباحة. يوقظني من حلم المياه، عصفور ينتحر، يرمي بنفسه من غيمة ولا يفرد جناحيه، يرتطم بزجاج سيارة الجار المزعج. أأحزن عليه أم أصفق له أم أشمت بالجار؟

(8)

الليالي المهدورة والصباحات الكئيبة والطقس المقرف، والحزن غير المقيم… وحدها الشوكولا المتعة اللحظية والأبدية.
أريد الذهاب إلى مدينة الملاهي، أريد أن أرى أضواء المدينة من فوق ورأسي مقلوب للأسفل وقلبي في السماء، ولكننا في زمن الكورونا وأضواء الملاهي مطفأة.
أمشي إلى أزمنة أخرى، أحفر متعتي بنفسي، أتدلى من شرفة الطابق السابع، أراقب أضواء الشارع، وقلبي يتدحرج إلى القمر.

(9)

لا أحب الوضوح. أحب الرمادي. والألوان المتداخلة في الافق عند المغيب.
أحب الاحتمالات والأسئلة العالقة والاجابات المتأرجحة وأكره ال”نعم” الفاقعة. لا تعننيني الأجوبة حتمية ولا التأكيدات، فقط تصورات بأصوات خافتة.
لا أبحث عن المطلق ولا اللانهائي ولا الأبدي وأودّ لو أبقى في فضاء مفتوح على خيارات لا أملكها.
أكره السيارات بالزوايا الحادة في تصميمها وتستفزني المجمعات السكنية المتناسخة بنفس الأشكال والهندسات وحيث كل شيء معروف مكانه.
أحب بقع المياه الصغيرة بعد المطر، والغيوم الرمادية التي لا شكل لها قبل العاصفة.
أرتاح لتلك اللحظات عندما أسألك ان كنت تحبني وتكون الاجابة: “ربما” أو “أظن ذلك”

(10)

رافقنا شغف البدايات حتى النهاية. أتذكر ذلك بعد سنوات باستغراب، دون حنين. ربما كانت شجاراتنا المتكررة هي المفتاح، تعيد خلق الشوق مع كل غضب جديد.
كنت أكرهها وكنت محقة في ذلك. فرحلنا إلى احتمالات أخرى.
ثم جاء أحد من بعدها ليقول لي ان ما بيننا أصبح مضجرًا، كنت لا أزال قادرة على الدهشة ولكنه لم يكن كذلك.
أسوأ أنواع الملل هو الذي يأتي لأنك لا تعرف كيف تحب.
يدعوني روتين أيام الحجر هذه إلى التفكير في ذلك وإلى محاولة ايجاد تلك النقطة بين تكرار محبب مريح وبين دهشة اكتشاف تحمل احتمالات متعددة.

(كتبت هذه النصوص بين آذار و أيار 2020 أثناء فترة الحجر الصحي بسبب  وباء الكورونا)

أترك تعليق