لماذا النساء غاضبات؟
نشعر بغضب دائم، يظهر أحيانًا بشكل كآبة وأحيانًا “نوبات انفعال” وربما صراخ أو قلق وبعتبر البعض ذلك سببًا لتعيير النساء، بهذا الغضب “غير العاقل”.
لماذا النساء، النسوة، النسويات غاضبات؟
“ليش هلقد معصبة؟” ليس سؤالًا يهدف فعلًا إلى فهم أسباب الغضب، بل يطرح للتقليل من أهمية هذه الأسباب، لتصغيرها ولتصوير هذا الغضب كمبالغ به على فعل أو قول لا يستحق “كل هذا الغضب”.
“روقي” عم تعقديها ما بدها هلقد. أسمع ذلك وللحقيقة انني أضبط نفسي كثيرًا، وأنني لم أعد أغضب كفاية. وفي معظم الأوقات التي يجب فيها أن أنفعل، أحتفظ بغضبي في داخلي أو أنسحب أو أعبر عنه بنظرة قرف. لو أردت يوميًا أن أعبر عن غضبي من كل ما أتعرض له من لحظة استيقاظي إلى أن أنام سأقضيها في حالة انفجار دائم. يكفي أن أقرأ كل التعليقات وردات الفعل والتفاهات مع كل قضية قتل أو اعتداء جنسي أو تحرش حتى أجد ألف سبب للغضب ولا طاقة ستكفي أي امرأة للتعامل مع كل هذا.
نعيش حالة انهيار اقتصادي واجتماعي يجعلنا جميعًا في حالة غضب أو كآبة او ضياع أو خربطة. ويأتي فوق كل ذلك بالنسبة للنساء القمع والقرف الذكوري. في هذه الأوقات أجد الآخرين يتعاملون مع الموضوع وكأنك تقتلين مساحتهم الأخيرة للتنفس إن اعترضت على ذكوريتهم. وربما هي فعلًا كذلك بالنسبة لهم، تلك الامتيازات والسيطرة التي ما زالوا يحتفظون بها. وهي مساحتي الأولى للمواجهة. هذا الذكر “المعتر” يتعب لـتأمين ما يحتاجه لعائلته فكيف لا أسمح له أن يتحرش قليلًا؟ وآخر يبذل جهدًا منذ سنوات ليفهم النسوية، ولكن “النسويات مش متفقين” فكيف له أن يفهم؟ كأن النسوية قالب منزل نحفظه ونراجعه كل يوم ونتبع خطوات مكتوبة ونحاول تعليمها للرجال. وهل الفهم صعب إلى هذه الدرجة؟ فهم ما تعنيه المساواة وما هو التحرش؟ إدراك الفرق بين التحرش والتعارف؟ الصعب فعلًا ليس الفهم نفسه ولكن ما سيتتطلبه ذلك من الرجل للتخلي عن سيطرة وامتيازات.
ماذا يعني أن تواجه هذا الانهيار كل يوم وتواجه معه نظامًا أبويًا قاتلًا؟
قتل النساء، وضربهن، والتحرش بهن، وتحميلهن عبء المنازل، التعامل معهن كممتلكات، والقمع، والاغتصاب، والعنف الاقتصادي، وتحويل معناتهن لنكات سمجة في يوم النساء وفي كل قضية؛ وقضايا الطلاق والحضانة، والشعور بأننا غير مرئيات وغير مسموعات إلا للجنس، كل ذلك والكثير غيره أسباب للغضب. والمشكلة أننا نعيشها بشكل يومي ولذلك غضبنا قليل ولذلك ما نعبر عنه أقل بكثير من الحقيقة وليس كما يعتقد الآخرون، مبالغًا به.
أما ما يراه الآخرون فهو: أنت على علاقة برجل يضربك؟ كوني ممتنة أنه لم يقتلك. تحرش بك أو اغتصبك؟ كوني ممتنة أنه “رآك” وابحثي عن الستر. طلقك وأخذ حضانة الأطفال؟ كوني ممتنة أنه لم يجرجرك سنوات في المحاكم ويتركك معلقة دون طلاق. حرمك من راتبك أو ارثك؟ كوني ممتنة أنه يصرف على المنزل. تحملين مسؤولية المنزل؟ اسعدي بدورك كزوجة وأم مثالية. مقموعة؟ ألا ترين أن ذلك يأتي من الغيرة والاهتمام؟ مزاح ذكوري؟ ألا تعرفين كيف تضحكين؟ نكت نمطية؟ ألمهم النية! يساعدك في الأعمال المنزلية؟ واو لقد حصلت على الرجل المثالي ولا يمكنك الشكوى بعد الآن. يدافع عن حقوق النساء؟ هذا الباكاج المثالي، على ماذا تعترضين أيضًا؟ تسمعين تعليقات مزعجة في مكان العمل؟ بتصير مع الكل، المهم عم يعطوكي معاش. تأخذين راتبًا أقل من الرجال في العمل؟ لا بأس تذكري أنهم يتحملونك عندما تأخذين إجازة أمومة وساعة للرضاعة.
دائمًا هناك أسباب للغضب والحزن معًا ودائمًا هناك التواءات للتقليل من مكانة هذا الغضب. كل تجليات هذا الغضب بالنسبة للذكوريين هي جنون أو هستيريا، مبالغة أو انتقام. يخطئ الرجال، ولكن عندما تتعامل النساء مع هذا الخطأ من واجبهن أن يتعاملن بمثالية، من واجبهن ايجاد حلول مناسبة للجميع ولا تؤذي أحدًا، ولكن الأذى قد وقع وليس واجبنا إصلاحه. يمكنك أن تحزني لما يحصل معك، فالحزن ملائم لك ولكن احزني وأنت راضية، الغضب لا موقع له هنا.
مع الوقت لم أعد أغضب فعلًا من الاعتداءات والقضايا اليومية نفسها، أصبح شعوري قرفًا وحزنًا على خسارات متتالية. ما يغضبني فعلًا، في كل لحظة، أنني عشت سنوات طويلة من المواجهة اليومية مع هذا النظام. سنوات من المحاولات والرفض والتجارب وستلحقها سنوات أخرى طويلة من نفس الأذى اليومي للنساء، أنتظرها وأتوقعها. هذا وجود متعب ومنهك للكثيرات، وليس للجميع القدرة حياة كاملة من المواجهة المثالية. لذلك قد نستسلم، ولذلك قد ننسحب، ولذلك قد نغضب أكثر وأكثر. تعيش النساء غاضبات اليوم، وهنا، وكل يوم، لأنهن يعين أنهن على الأرجح سيمتن قبل أن يعشن يومًا واحدًا من العدالة أو ما يشبهها.